من المسؤول عن اندثار تربية دودة الحرير ووأد صناعتها

شو صاير 11:13 11-08-2022

يبدو أن تسمية مدينة الدريكيش بمدينة الحرير سيصبح ذكرى لماض وتراث عريق أفل، بعد اندثار تربية دودة الحرير، وعزوف أغلب المربين عن التربية، وبالتالي وأد صناعة الحرير الطبيعي التي اشتهرت بها ليس في سورية فحسب بل خارج القطر بتوقف معمل الحرير الوحيد فيها عن الإنتاج منذ عام ٢٠٠٩.
وفي عام ٢٠١٧ وبعد زيارة رئيس الحكومة للمنطقة سمعنا تصريحات تعلن عن إعادة إحياء تلك التربية، ووضع خطة مكونة من ثلاث مراحل لانعاش تلك التربية من جديد وبالتالي عودة عجلة الإنتاج وصناعة الحرير الطبيعي على مستوى سورية، وهنا نتساءل هل وضع الخطط طويلة الأمد ينقذ تلك الصناعة ويقدم الدعم الذي استنجد مربو دودة الحرير لتقدمه الجهات المعنية لهم، وأبسط ما طلبوه هو استلام الشرانق التي قاموا بتربيتها؟!!

*تساؤلات مشروعة؟!!
فمن المسؤول عن وأد تلك الصناعة، وما الأسباب التي أدت إلى عزوف المربين عن التربية؟ وماذا عن الخطة التي وضعت لإحياء تلك التربية بعد زيارة رئيس الحكومة عام ٢٠١٧ ؟ وهل معمل الحرير مجهز بآلياته إن كانت النوايا جادة لإعادة إحياء وإنتاج الحرير الطبيعي؟! ولماذا تتوجه أصابع الاتهام للمربين، والذين بدورهم يلقون بالمسؤولية للجهات المعنية وعدم دعمها لهم.

*مصدر رزق وعمل..

يقول المربي سمير أسعد: كانت تربية القز مهنة رئيسية وموسماً وفيراً في منطقة الدريكيش يستمر حوالي الشهرين بالربيع وشهرين بالخريف، تنشغل به الأسرة بالكامل، البعض يقطف الأوراق والآخر يفرمها، وقسم يطعم الدود والآخر يهتم بنظافة الفرشة، حيث كانت تتوسع المساحة التي يحتاجها الدود وفق متوالية هندسية لتمتد في كامل المنزل قبل التشييح، مبيناً أن تربية دودة الحرير كانت مصدر رزق وعمل للكثير من العائلات، وقد تم إنشاء معمل للحرير في مدينة الدريكيش تابع لوزارة الصناعة يقوم باستلام الشرانق من الفلاحين ويسلمهم البيوض ويقتطع ثمنها من ثمن الشرانق.

*بداية انحدار التربية..

ولكن مع بداية التسعينيات تغيرت الأوضاع، وبدأت تربية الحرير بالانحدار في مدينة الدريكيش بسبب قلة الجدوى الاقتصادية وانخفاض الأسعار المقدمة عن الشرانق المسلمة من قبلنا والتوجه نحو استيراد الحرير الصناعي، لافتاً إلى تكاليف التربية والتي كانت أغلى بكثير من ثمن الشرانق التي كنا نسلمها للمعمل وهي تشمل أجرة الصالة وتجهيزها وثمن البيوض.. وحجرات التفقيس وأوراق التوت، إضافة لأجور عمال شفط التوت وجمع الشيح أو شيح القز، وأجور قطف القز من الشيخ والنقل.

وأضاف: ولكل معاناتنا السابقة ، وما كنا نجده من مماطلة وتأخير في دفع أثمان الشرانق حيث كنا نقبضها بعد عدة أشهر من تسليمها، عزف الكثيرون عن التربية وقاموا باقتلاع أشجار التوت واستبدالها باللوزيات، مبيناً أن عام ١٩٩٨ كانت آخر سنة لهم بالتربية.

* معاناة بالجملة..

ويتابع أسعد كلامه قائلاً: إنه في عام ٢٠١٧ وبعد اطلاعنا على تجارب بعض الدول مثل الصين ومصر في تربية القز، عدنا للتربية من جديد، وكنا أربعة مربين، وقد سلمتنا الزراعة وقتئذ علبتي بيوض، تم تفقيسه في مركز النحال، وأنتجنا حوالي ٤٠٠ كغ شرانق حرير، لتعود المعاناة مجدداً، حيث لم يتم شراء الشرانق رغم مراسلتنا المحافظة والوزارة، فضاع تعبنا وجهدنا، وحتى لا يذهب تعبهم سدى تواصلوا مع مشغل يدوي في مصياف، ولكن للأسف كان يأخذ كميات قليلة وبسعر أقل من الجهد والتعب، واصفاً أسعد تلك المرحلة بأنها من أمر المراحل وأصعبها لعدم تصريف الشرانق التي تعبنا بتربيتها، وما زال حتى الآن بعض المربين يحتفظون بالشرانق منذ خمس سنوات، دون أن يتمكنوا من إيجاد أي تصريف أو حل للمنتج.
وطالب أسعد الجهات المعنية بتقديم الدعم للمربين من كافة النواحي وتأمين بيوض وشراء القز، لإعادة إحياء تلك التربية التي اشتهرنا بها بعد الاطلاع على التجربة الصينية إضافة لتحديث معمل الحرير غير المجهز فنياً وإدخال أنواع من التوت المنتج للأوراق بكثافة عالية الإنتاجية، كما يتوجب على وزارة الزراعة دراسة حاجة السوق، وإقامة مشاغل لحل القز بكميات وعلى أساسه تتم التربية.

*مطالب ملحة..

مربون آخرون طالبوا الجهات المعنية بتأمين بيوض الحرير في موعدها ودون تأخير، وإعادة تشغيل المعمل، واستلام إنتاجهم من الشرانق وصرف الدعم المالي للمربين الذين قاموا بالتربية مع استمرار الدعم وزيادة المبلغ لكل كيلو شرانق أخضر منتج من قبلهم من ٢٠٠٠ إلى ٥٠٠٠ ليرة، مؤكدين أنهم لا يريدون أي خطط ومشاريع بعيدة الأمد، لافتين إلى أنه عندما يتم تقديم الدعم الذي طلبناه، من الطبيعي عودتنا للاعتناء بأشجار التوت الموجودة في حقولنا، متمنين توزيع غراس توت من قبل الزراعة عن طريق الوحدات الارشادية كي نزرعها في موسم الزراعة والذي يبدأ في مطلع الشتاء القادم أي من تشرين الثاني مع توفير أدوات التربية الحديثة لهم.

* توقف معمل الحرير..

بدوره مدير المعمل “يوسف أحمد” قال: المعمل متوقف عن العمل منذ العام ٢٠٠٩ نتيجة عدم توفر المادة الأولية من شرانق الحرير، مشيراً إلى أن آخر سنة إنتاج كانت عام ٢٠٠٨ لكمية قليلة من شرانق الحرير.
ولهذا وجهت رئاسة مجلس الوزراء بتوقيف العمل في الشركة لحين توافر المادة الأولية، مبيناً أنه قد تم طرح حلول منذ وقت طويل منذ العام ١٩٩٨ لإنقاذ هذه الصناعة من خلال الاستفادة من أراضي أملاك الدولة لزراعة أشجار التوت في محافظات اللاذقية طرطوس حماة وبمساحة ٣٠٠٠ هكتار تنفذ على مراحل، وقد صدر قرار عن السيد وزير الزراعة بتخصيص هذه المساحات والمباشرة بالزراعة لكن لم يتم تنفيذ هذا القرار، علماً أن أحد المنظمات التي تعاونت مع وزارة الصناعة لإيجاد حلول رحبت بفكرة زراعة جوانب الطرقات الزراعية بأشجار التوت ضمن الأحراج كحل آخر، ولكن لم يتم التنفيذ.

* حلول تبوء بالفشل..

وأضاف ‘”أحمد”: وفي سبيل إيجاد حل للمشكلة تم طرح مشاريع بديلة للمعمل مثل حاضنة أعمال تضم فندقاً وسوق أعمال يدوية بالتعاون مع وزارة السياحة واتحاد الحرفيين ووزارات أخرى لكن لم ينفذ هذا المشروع، ليستمر الوضع لغاية عام ٢٠١٥ حيث صدر قرار عن السيد وزير الزراعة يتضمن تشكيل فريق عمل من كل من وزارة الزراعة والصناعة مهمته وضع استراتيجية عمل متكاملة لإحياء تربية دودة الحرير في سورية تتضمن خطة عمل وبرنامج تنفيذي.

*مشروع إحياء التربية.. ولكن!!

وقد تم الانتهاء من المشروع في عام ٢٠١٧ ورفع إلى الجهات الوصائية لإقراره، حيت تمت الموافقة عليه وطلب إلى وزارة الزراعة المباشرة بالتنفيذ حيث كان من المقرر أن يستمر المشروع من عام ٢٠١٧ ولغاية ٢٠٢٧ ضمن ثلاث مراحل، وقد تضمن زراعة ٢٩٨٧ دونماً بعدد أشجار حوالي ٩٠٠ ألف شجرة توت، تكفي لتربية ٦٤٩١ علبة بيوض، وهذه الكمية من البيوض تنتج حوالي ٢٥٠ طن شرانق حرير كافية لتشغيل المعمل على مدار العام لثلاثة ورديات، كما تضمنت الخطة في المرحلة الأولى إجراء عمرة للمعمل على أن يتم استبدال الآلات بعد انتهاء المرحلة الثانية.

‘*صيانة الآلات و٦ أطنان لشهر فقط

ورداً على سؤالنا عن الواقع الحالي لآلات المعمل أشار إلى أنه يتم المحافظة عليها رغم قدمها وقد تم إجراء صيانة أولية للآلات، وأعيدت للعمل بانتظار موسم الإنتاج للعام ٢٠٢٠، ولكن لم يكن هناك إنتاج لشرانق الحرير حيث تحتاج الشركة إلى كمية لا تقل عن ٦ أطنان شرانق للمباشرة بالعمل، وهذه الكمية تكفي للعمل لمدة شهر فقط والوردية واحدة، لكن لم يتوفر أي كمية من الشرانق واستمر الوضع خلال على ما هو عليه خلال عامي ٢٠٢١ – ٢٠٢٢.

*مركز للتربية.. ولكن؟!!
رئيس مركز التربية في حاموش رسلان (وهو المركز الوحيد على مستوى المحافظة) المهندسة “ميرفت مهنا” والتي تنحصر مهامه بإنتاج بيض دودة الحرير محلياً، والعمل للحصول على سلالة محسنة، تضاهي السلالات المستوردة من خلال تحصين وتفقيس وتربية بيض دودة الحرير داخل المركز حتى نهاية العمر الثالث وتوزيعها مجاناً، وبالتالي اختصار مدة التربية لدى المربي من ٤٥ يوماً إلى ٢٥ يوماً فقط.

*عدم دعم المربي..

وعزت مهنا أسباب اندثار التربية إلى انخفاض سعر كيلو الشرانق المنتج لدى المربي، والتصنيفات التي كان يخضع لها إنتاجه عند تسليمه من قبل المربي إلى المعمل، وعدم وجود جهة حكومية رسمية تقوم باستلام الشرانق وتصريفها، وتحكم القطاع الخاص بسعر كيلو شرانق الحرير، حيث كان دون مستوى توقع المربي، إضافة لتوقف استيراد علب بيض دودة الحرير ذات السلالة الهجينة والمحسنة بسبب ظروف الأزمة، وانخفاض عدد أشجار التوت المزروع بسبب قطع البعض له لأغراض التدفئة.

* اختصاص وزارة الصناعة؟!!

من جهته رئيس دائرة الوقاية في مديرية زراعة طرطوس المهندس “حسن حماده” ولدى سؤالنا عن مشروع إحياء التربية الذي تم التصريح عنه عام ٢٠١٧ ووضعت خطة له بعد زيارة معمل الحرير في الدريكيش من قبل رئيس الحكومة قال: إن هذا الموضوع يعود لمعمل الدريكيش لحل الشرانق، وحاجته لأطنان كبيرة من الشرانق لاستمرار عمله، وعدم توقفه، وهو تابع لوزارة الصناعة.
وأضاف: لقد أنتجنا هذا العام بين ٣٥ إلى ٤٠ علبة بيض إنتاج محلي، ووضعناها في براد في اللاذقية تابع لشعبة النحل والحرير، بعد أن كنا نستورد البيض من الخارج، ولكنه توقف بعد الحصار الاقتصادي، مبيناً أنه تم تفقيس ٨ علب بيض وتوزيعهم على المربين في العمر الثالث، لافتاً إلى أنه سيتم توزيع علب لمن يرغب من المربين خلال العروة الخريفية.

*وأخيراً..
هل يكفينا وضع خطط لنقول إن الأمور حلت؟! أين الجهات المعنية من دعمها لمربيّ دودة الحرير ومطالبهم والتي أبسطها استلام الشرانق؟ وهل وفرت البيوض له؟ وهل قدمت أسعاراً تقدر تعبه وجهده، وهل بألفي ليرة عن كل كيلو تكون قد دعمته وشجعته فأين نحن من الوعود، وهل نلوم المربي بعد ذلك إن اقتلع أشجار التوت؟!

إن كانت النوايا صادقة لإعادة إحياء تلك التربية والصناعة العريقة التي كنا نفاخر بها ادعموا المربي بكل ما يحتاجه ووفروه له، عندها فقط نحن على ثقة بأن التربية ستعود من جديد وبأحسن حالاتها.
فهل نعيد لمدينة الدريكيش اسمها قولاً وفعلاً لتعود مدينة الحرير؟! نأمل ألا يطول تحرك الجهات المعنية كي لا تكون مسؤولة عن وأد هذه الصناعة.