بانتظار وظيفة حكوميّة.. مفاهيم خاطئة لدى جيل الشباب وثقافة عمل مرتبكة تبقيهم في منازلهم

شو صاير 10:21 23-11-2022

لم يستطع الكثير من الشباب وعلى مختلف مستوياتهم التعليمية أن يخلقوا ثقافة عمل جديدة بعيداً عن ثقافة التوظيف في القطاع العام وبالتالي ابتعادهم عن القطاع الخاص مهما كانت ميزاته لترتفع أعداد الشباب العاطلين عن العمل، وتشكل محافظة طرطوس النسبة الأكبر من البطالة بين المحافظات .
وإن خصصنا الحديث عن البطالة في محافظة طرطوس التي يتدفق إلى سوق العمل فيها سنوياً الآلاف من طالبي العمل والأغلبية من خريجي الجامعات والمعاهد المتوسطة، فإن أغلبهم ينتظر فرصته في القطاع العام وإن سنحت الفرصة له بوظيفة في الخاص يرفض العمل لأسباب كثيرة كما ذكرت مديرة فرع هيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسط بطرطوس ورود سليمان وبينت بأن الفرع يعمل على برامج التدريب والتنمية المجتمعية من خلال تدريب العاطلين عن العمل الراغبين في تأسيس مشاريع خاصة بهم أو تدريبهم لدخول سوق العمل ضمن القطاع الخاص، بالإضافة لبرنامج التدريب من أجل التشغيل المضمون وهو نوع من التشاركية ما بين القطاع العام متمثلاً بالهيئة والقطاع الخاص حيث يتم تدريب العاطل عن العمل لدى القطاع الخاص ضمن اتفاقيات معنية بهدف تأمين فرص عمل، وقد وصلنا في هذا البرنامج إلى طريق مسدود لرفض أغلب الشباب العمل في الخاص بسبب الدوام الطويل والعمل الكثير كما يقولون ويفضلون البقاء من دون عمل.
وقد بلغ عدد المسجلين للعمل ضمن برنامج التدريب من أجل التشغيل المضمون خلال هذا العام كما بيّنت سليمان /395/ مرشحاً وبلغ عدد المرشحين منهم للعمل لدى القطاع الخاص /225/ مرشحاً لم يلتحق ويلتزم سوى /40/ منهم.
مؤكدة بأن السبب في عدم استمرار الشباب بالعمل ثقافة العمل السائدة وعدّهم أنّ وظيفة الدولة أفضل من حيث طبيعة الدوام والراتب التقاعدي، مع إن الهيئة تشرح لجميع المتقدمين لهذا البرنامج عن أهمية العمل وضرورة تغيير الثقافة السائدة بالإضافة إلى إقامة الندوات في كافة المناطق للترويج لبرامج الهيئة، وكذلك يتم الحديث عن أهمية العمل الخاص وضرورة الاطلاع عليه من قبل الشباب لما فيه من مواد قانونية تضمن حقوقهم وتمنحهم راتباً تقاعدياً، ومع هذا لم نستطع إقناع الشباب رغم الرواتب العالية التي يمنحها القطاع الخاص والتي تصل في كثير من الشركات لضعفي راتب القطاع العام مع تقديم المكافآت في الأعياد.
ثابت أبو علي صاحب محمصة أكد لـ (تشرين) أنه وقّع اتفاقية مع فرع هيئة تنمية المشروعات لتدريب الشباب وتوظيفهم منذ سنوات وعلى الرغم من الفرص الكثيرة التي قدمت للكثير منهم علماً أن أغلبهم ليس لديه مؤهلات علمية أو عملية، ومع ذلك- كما يقول أبو علي- تم تدريبه وقبوله في العمل ليرفض الاستمرار بحجة العمل الطويل ووجود مكان العمل في المنطقة الصناعية أي خارج المدينة وهي يريد العمل ضمن مدينة طرطوس.
ويؤكد أبو علي وجود حلقة مفقودة في مجال ابتعاد الشباب عن العمل في القطاع الخاص حتى اليوم رغم الرواتب الجيدة والتأمينات وغيرها من الحوافز التي تشجع على العمل، وطالب الجميع بضرورة العمل بشكل حقيقي ودؤوب لتغيير المفاهيم الخاطئة لدى جيل الشباب وخاصة من قبل وسائل الإعلام .
هذا وتتفاوت نسبة الشباب الذين يعملون في القطاع الزراعي بمحافظة طرطوس والتي تعدّ محافظة زراعية بالدرجة الأولى، فعدد قليل جداً وجد ضالته في أرضه التي ورثها عن والده وأيقن أن العمل في الزراعة خير من انتظار الوظيفة، هذا ما أكده الشاب علي فبعد تخرجه في كلية الاقتصاد وبحثه عن فرصة عمل لسنوات لم يتمكن من العثور عليها فعاد إلى أرضه وافتتح مشروعه الصغير من خلال إقامة صالة للزراعة المحمية كبداية ليصل اليوم لأكثر من ثلاث صالات مع تشغيل ثلاثة عمال معه، بالمقابل مازال الشاب خضر عبد العزيز ينتظر الوظيفة في القطاع العام ويرفض العمل في أرضه والتي برأيه (ما بتطعمي خبز)، في حين لم يقف المهندس الزراعي عيسى عيسى مكتوف الأيدي والرثاء على راتب لا يكفيه أياماً بل وجد أن العمل في الزراعة جيد فانطلق يضمن الزيتون ويعمل بالبيوت البلاستيكية، فالحياة صعبة وتحتاج كفاحاً حتى يستطيع الشاب تأمين أدنى متطلبات الحياة، ونجد اليد العاملة الوافدة إلى محافظة طرطوس من المحافظات الأخرى تعمل في كافة المجالات الزراعية والصناعية والتجارية، واستطاع الكثير أن يؤسس مشروعه الخاص وهذا يؤكد بأن ثقافة العمل الخاطئة تعزز ظاهرة البطالة عند شباب طرطوس.
ولتغيير هذه الثقافة نحتاج تضافر الجهود ابتداء من الأهل وصولاً إلى الجامعة مع أهمية الابتعاد عن ثقافة الاتكالية لخلق فرص المبادرة لدخول القطاع الخاص وإنشاء مشاريع خاصة وإقناع الجميع أن التوظيف الكامل بات من الماضي، وهذا يحتاج مبادرة وتأسيس مشاريع صغيرة ومتوسطة وكبيرة سواء أكانت زراعية أم صناعية أم تجارية.

تشرين